.
ولكن في الاستطاعة ان نشير إلى شيء حدث منذ زمن بعيد، عند بدء الحياة على الارض، وكان له شأن عظيم، ذلك ان خلية واحدة قد نمت عندها القدرة المدهشة على استخدام ضوء الشمس في حل مركب كيموي، واصطناع غذاء لها ولاخواتها من الخلايا. ولا بد أن لذات اخريات لخلية اصيلة أخرى قد عاشت على الغذاء الذي انتجته الخلية الاولى، وأصبحت حيوانا، في حين صارت الخلية الاولى نباتا، والنباتات التي هي نسل هذه الخلية هي التي تغذى جميع الكائنات الحية الان، فهل يمكننا ان نعتقد ان كون خلية قد اصبحت حيوانا، وأخرى قد اصبحت نباتا، إنما حدث بطريق المصادفة(1)؟ ان التوازن العجيب بين الزرع وحياة الحيوان إنما استقر بهذا التقسيم. واذا عدنا إلى قصة ثاني اوكسيد الكربون، وجدنا ان هذا التقسيم هو أساسي اطلاقا بوصفه احدى ضروريات الحياة نفسها. ولو كانت الحياة كلها حيوانية، لكانت الآن قد استنفدت الأوكسيجين، ولو كانت الحياة كلها نباتية، كانت قد استهلكت كل ثاني اوكسيد الكربون. وفي كلتا الحالتين كانت تنتهي هذه الحياة وتلك.
__________
(1) - قال تعالى (سورة الرعد): (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى يدبر الأمر يفصل الايات لعلكم بلقاء ربكم توقنون. وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ينشي الليل في النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون).
(المترجم)
وكما ذكرنا من قبل، من المفروض انه في التاريخ الباكر جدا للكرة الارضية لم يكن بالهواء اوكسيجين مطلق، إذ كان كل الأوكسجين مخزونا في قشرة الأرض وفي الماء وثاني اوكسيد الكربون. فاذا كان الامر كذلك، فان كل الأوكسجين الذي لدينا الان، قد جاء من الزرع. وقد ثبت ذلك بشكل مقبول، لان النباتات تستعمل ثاني اوكسيد الكربون، وتطلق الأوكسيجين.ولكن إذا كان هذا كله صحيحا، فان الحيوانات، التي لا غنى لها عن الأوكسجين لكي تعيش، لا بد قد جاءت إلى الوجود بعد زمن طويل من تطور النباتات في البحر والأرض، فهل كان ظهور الحياة على دفعتين؟ سنترك ذلك للمستقبل ليقرره.
ومن عجب انه في كلتا الحياتين الحيوانية والنباتية، منذ ظهور الكائنات البروتوبلازمية الاولى، قد تطور الذكر والانثى بشكل جعل كل نوع يستمر بالاتحاد المتكرر مع الاحتفاظ بمميزاته العامة.
وليس هذا مجال البحث في تفاصيل الاضطرابات والنتائج الطبيعية والكيموية التي ادت إلى التوزيع. ويكفي ان نجعل الامر مفهوما لاولئك الذين ليس لهم معرفة خاصة بالعلوم. ويمكن ايضاح الأمر على الوجه الآتي:
الظاهر ان مجموعات الخلايا كانت ادنى إلى البقاء حية حين كانت على صلات وثيقة معا، وبدا بدأت تتحد، ثنائية ورباعية ومئوية والفية ثم مليونية، ثم دعيت كل خلية لان تؤدي مهمة وكلت اليها. وتدريجا، مع تكليفها تلك المهام المختلفة اصبح في حيز الامكان ان يقوم المجموع بوجوه جديدة من النشاط، ففي الحيوانات، صار الحمل CILIA، (وهو عبارة عن تركيبات صغيرة تشبه ال؟؟؟ وصارت الزوائد والاقدام الكاذبة، تساعد على جمع الطعام الذي تنشط خلايا أخرى في هضمه. وبعض الاجزاء كانت مكونة من عدة حلايا. فهناك مجموعة منها صنعت غطاء وقائيا كثيفا، كقشر الشجرة، وأخرى كانت مشغولة بنقل الغذاء من مكان إلى اخر في المخلوق الحي. واخيرا نجدها مشغولة بتكوين الخشب في الجذوع، أو بتكوين العظام أو الاصداف لتدعم جرمها المجتمع النامي، وبعض الاصداف وضعت في الخارج، مثل اصداف اللزيق (سمك صدفي). وهذه الحيوانات الرخوة من النوع الذي يغلق على نفسه. وبعض العظام قد كونت بالداخل، فالإنسان يحتاج إلى سلسلة فقرية. وجميع الأشياء التي تعيش تبدأ من خلية بسيطة وهذه الخلية ترغم كل نسلها على ان يؤدي الخدمات وان يتبع دون انحراف تصميم المخلوق الذي كان على الخلية الأصلية مضاعفته، سواء أكان سلحفاة ام أرنباً.
وقد يمكن السؤال عما إذا كان للخلايا فهم وادراك ام لا: وسواء اعتقدنا أن الطبيعة قد زودت الخلايا بالغريزة – مهما تكن هذه – أو بقوة التفكير، ام لم نعتقد ذلك، فلا مناص لنا من الاعتراف بان الخلايا ترغم على تغيير شكلها وطبيعتها كلها لكي تتمشى مع احتياجات الكائن الذي هي جزء منه. وكل خلية تنتج في أي مخلوق حي يجب ان تكيف نفسها لتكون جزءا من اللحم،او ان تضحي نفسها كجزء من الجلد الذي لا يلبث حتى يبلى. وعليها ان تضع ميناء الأسنان وان تنتج السائل الشفاف في العين، أو ان تدخل في تكوين الانف أو الأذن. ثم على كل خلية ان تكيف نفسها من حيث الشكل وكل خاصية أخرى لازمة لتادية مهمتها. ومن العسير ان نتصور ان خلية ما هي ذات يد يمنى أو يسرى، ولكن احدى الخلايا تصبح جزءا من الاذن اليمنى، بينما الأخرى تصبح جزءا من الأذن اليسرى. ان بعض البلورات المتشابهة كيمويا تحول اشعة الشمس نحو اليمين وبعضها الاخر نحو الشمال. ويبدو ان مثل هذا الميل موجود في الخلايا. ومتى وجدت في المكان الصحيح الذي تخصه. فانها تصبح جزءا من الاذن اليمنى أو الاذن الايسرى. وأذناك تواجه احداهما الأخرى في رأسك، وليستا في كوعيك كما هما عند الصرصور.. وتقوساتهما متضادة، وحين تكمل تكون الأذنان متماثلتين إلى حد يعصب عليك عنده ان تميز بنيهما.
ان مئات الآلاف من الخلايا تبدو كانها مدفوعة لان تفعل الشيء الصواب في الوقت الصواب وفي المكان الصواب، والحق انها طائعةوالحياة تدفع إلى الأمام، بانية، مصلحة متوسعة، وخالقة ما هو حديث وما هو افضل، بنشاط لا يفتر ولا مثيل له في الأشياء الجامدة. فهل هذا ناشئ عن ادراك؟ ام عن غريزة؟ ام انه أمر يحدث فحسب؟ يمكنك ان تجيب عن ذلك بنفسك.
بيد انك قد تقول الآن ان كل ما ورد بهذا الفصل لا يفسر لنا كيف بدأت الحياة، أي كيف جاءت إلى هذه الارض. والكاتب لا يعرف كيف، ولكنه يؤمن بانها جاءت كتعبير عن القوة الالهية، وبانها ليست مادية.(1/48)