[center]اذا فرضنا ان النتائج العلمية الحاضرة قد تكون خاطئة، وبذا قد تخضع لتغيير ما في المستقبل، فان الحقائق التي سنقدمها مقربة ببساطة لغرض الايضاح، هي مع ذلك متسقة مع المعارف الحاضرة، وليس من المحتمل ان أي تعديل علمي لها سيمس التنظيمات الأساسية التي سنشرحها فيما يلي:
اذا كان صحيحا ان درجة حرارة الكرة الأرضية وقت انفصالها عن الشمس كانت حوإلى 000ر12 درجة، أو كانت تلك درجة حرارة سطح الشمس، فعندئذ كانت كل العناصر حرة، ولذا لم يكن في الامكان وجود أي تركيب كيموي ذي شأن. ولما اخذت الكرة الأرضية، أو الأجزاء المكونة لها، في ان تبرد تدريجيا، حدثت تركيبات وتكونت خلية العالم كما نعرفه. وما كان للأوكسجين والهيدروجين ان يتحدا إلا بعد ان هبطت درجة الحرارة إلى 4000 درجة فهرنهايت. وعند هذه النقطة اندفعت معا تلك العناصر وكونت الماء، الذي نعرفه الآن أنه هواء الكرة الارضية، ولابد انه كان هائلا في ذلك الحين. وجميع المحيطات كانت في السماء، وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت، كانت غازات في الهواء. وبعد ان تكون الماء في الجو الخارجي سقط نحو الأرض، ولكنه لم يستطيع الوصول اليها، إذ كانت درجة الحرارة على مقربة من الأرض أعلى مما كانت على مسافة الآف الأميال في خارجها، وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانياً في شكل بخار. ولما كانت المحيطات في الهواء، فان الفيضانات التي كانت تحدث مع تقديم التبريد، كانت فوق الحسبان. وتمشى الجيشان مع التفتت، وسادت حال من الفوضى لا يمكن وصفها، ملايين من السنين. وفي هذا الاضطراب الذي لا يمكن ادراكه، كان الأوكسجين يتحد مع جميع مواد قشرة الأرض تقريباً. وقد اتحد أيضاً مع كل الهيدروجين الذي اتصل به، وبذا تكون المحيط. ولا بد ان مقادير هائلة من الهيدروجين قد فرت من جاذبية الأرض قبل ان تبرد هذه، ولولا ذلك لكانت كتلة الماء قد بلغت الآن من الضخامة بحيث كانت تغرق الأرض إلى عمق أميال. وربما هدأت الأشياء واستقرت منذ بليون سنة، وبذا كونت الأرض الصلبة والمحيطات، والجو – اي ذلك الراسب الذي نسميه بالهواء. وكان اتحاد العناصر كاملا لدرجة ان ما ترك، وهو الهواء المكون من الأوكسجين والنتروجين على الأخص، لايزيد على جزء من
مليون من كتلة الكرة الارضية. فلماذا لم يمتص كله، أو لماذا لم يكن بنسبة أكبر كثيرا من تلك النسبة؟ في كلتا الحالتين كان الانسان لا يمكن ان يوجد على ظهر الارض، واذا كان الوجود ممكنا تحت ضغط الاف الأرطال على البوصة المربعة الواحدة، فقد كان من المحال ان يتطور كإنسان.
ودون تاكيد لهذه المسألة بعد ذلك، نرى انه مما يدعو إلى الدهشة على الأقل ان يكون تنظيم الطبيعة على هذا الشكل بالغا هذه الدقة الفائقة. لأنه، لو كانت قشرة الأرض اسمك مما هي بمقدار بضع اقدام، لا متص ثاني اوكسيد الكربون والأوكسجين، ولما امكن وجود حياة النبات. وهناك احتمال بان قشرة الأرض والمحيطات السبعة قد امتصت كل الاوكسيجين، وان ظهور جميع الحيوانات التي تستنشق الأوكسجين قد تاخر انتظارا لنمو النباتات التي تلفظ الاوكسيجين، وان الحساب الدقيق قد يجعل هذا المصدر للأوكسيجين في حيز الامكان، ولكن مهما كان مصدره فان كميته هي بالضبط مطابقة لاحتياجاتنا.
ولو كان الهواء ارفع كثيراً مما هو، فان بعض الشهب التي تحترق الآن كل يوم بالملايين في الهواء الخارجي، كانت تضرب في جميع اجزاء الكرة الارضية. وهي تسير بسرعة تتراوح بين ستة أميال وأربعين ميلا في الثانية، وكان في امكانها ان تشعل كل شيء قابل للاحتراق. ولو كانت تسير ببطء رصاصة البندقية، لارتطمت كلها بالأرض ولكانت العاقبة مروعة. اما الإنسان فان اصطدامه بشهاب ضئيل يسير بسرعة تفوق سرعة الرصاصة تسعين مرة، كان يمزقه إربا من مجرد حرارة مروره.
ان الهواء سميك بالقدر اللازم بالضبط لمرور الاشعة ذات التأثير الكيموي التي يحتاج اليها الزرع والتي تقتل الجراثيم وتنتج الفيتامينات، دون ان تضر بالإنسان، إلا إذا عرض نفسه لها مدة أطول من اللازم. وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور، ومعظمها سام، فان الهواء باق دون تلوث في الواقع، ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الانسان.
وعجلة الموازنة العظيمة هي تلك الكتلة الفسيحة من الماء، اي المحيط الذي استمدت منه الحياة والغذاء والمطر والمناخ المعتدل والنباتات، وأخيراً الإنسان نفسه. فدع الذي يدرك ذلك يقف في روعة أمام عظمته، ويقر بواجباته شاكراً!
-------------------
قال الله تعالى في كتابه الكريم، (سورة الأنبياء):
(أوَ لمْ يرَ الَّذينَ كفروُا أنّ السّموات والأرض كانَتَا رَتقاً ففَتَقْناهُما وجَعلنا مِنَ الماءِ كلّ شيء حيٍ أفلا يُؤمِنونَ)
(المترجم)
(1/27)