[size=24]في لغز بداية الحياة نقطة يجب ان يقف العلماء أمامها لنقص الحجج. أجل هناك قرائن كثيرة يمكن اقرارها علمياً. غير ان بداية الحياة بلغت من العجب، والنتائج المترتبة عليها بلغت من التشعب، بحيث ان أكثر العلماء البيولوجيين علما لابد ان تتملكه الدهشة. فهو بوصفه عالما، لا يستطيع ان يؤمن بالمعجزات، ولكن بوصفه انسانا ذكيا يجد – نتيجة لبحثه وبحوث غيره – ان معظم الكائنات الحية الآن تتطور من خلية ميكروسكوبية فريدة، على اثر خروجها من طور الحياة تحت الميكروسكوب واقترابها من طور السدفة الذرية ويبدو ان تلك الخلية قد وهبت القدرة على التكاثر، ومواءمة نفسها على اشكال عديدة من الحياة، وانها أعدت لكي تعيش في كل ركن وشق على ظهر الارض. والعلم يقر بان الواقع لا يمكن ان يكون إلا كذلك. ويعتقد البعض ان هذا مصادفة من المواد الكيموية والماء والوقت. ويرى البعض الاخر النظام مائلا في كل جانب فسيح من الحياة إذ تمضي قدما من منبعها إلى هدفها، سواء أكانت ستصبح حيوانا رخوا ام انسانا – دون ان تعبر الفجوة مرة اخرى.
والان لنعالج الموضوع بشعور من الاجلال، لاتحده الحدود الدقيقة التي تفرضها العقائد الدينية، أو الحقائق العلمية بشان سبب الحياة ومصدرها، ولنصور لانفسنا الوقائع المعترف بها. وبذا يمكننا ان نحكم، وأمامنا الموضوع كاملا. وبهذه الطريقة يمكننا ان نعلم ان كنت أنا أو أنت مجرد مجموعة عريضة من المادة، تولدت عن الكيمويات والماء والوقت، اولا.
انظر إلى الشيء الهام الوحيد. انه أهم من الأرض نفسها ومن الكون كله. وأهم من كل شيء آخر – ما عدا الخالق المدبر الذي كان السبب في وجود ذلك الشيء: وأعني تلك النقطة من النقطة (البروتوبلازم)(1)
__________
(1) - البروتوبلازم Protoplasmهي المادة الزلالية الحية التي تتكون منها خلية الاجسام النباتية والحيوانية، وقد رأينا أن نترجمها بكلمة (النطفة).
(المترجم)
التي لا تكاد ترى، وهي شفافة لزجة (كالجيلاتين)، قادرة على الحركة، تستمد نشاطها من الشمس. وهي بالفعل كفء لاستخدام ضوء الشمس في عزل ثاني اوكسيد الكربون من الهواء، مرغمة الذرات على الانفصال، قابضة على الهيدروجين من الماء، ومنتجة لهيدرونات الكربون، وبذا تعد غذاءها بنفسها من أحد المركبات الكيموية العنيدة للغاية.
ان هذه الحلبة الفريدة، هذه النقطة الصغيرة الشفافة التي تشبه الطل، تحتوي في نفسها على جرثومة الحياة، وبها القدرة على توزيع هذه الحياة على كل كائن حي، كبيرا كان أو صغيرا، وعلى مطابقة كل مخلوق لبيئته حيثما يمكن وجود الحياة، من قاع المحيط إلى السماء. وقد صاغ الزمن والبيئة شكل كل كائن حي بحيث يتفق مع أنواع الظروف المتعددة. وعندما تكون هذه الكائنات الحية شخصيتها الفردية، فانها تكون قد ضحت ببعض مرونتها وقابليتها للتغير، واصبحت مخصصة وثابتة، وقد فقدت القدرة على العودة إلى الوراء ولكنها كسبت مزيدا من المواءمة مع الظروف التي وجدت فيها.
ان قوى هذه النقطة الصغيرة من النقطة (البروتوبلازم) ومحتوياتها، كانت ولا تزال اعظم من الزرع الذي تخضر به الارض، وأعظم من كل الحيوانات التي تتنسم نسيم الحياة لانها مصدر كل حياة، وبدونها كان لا يمكن وجود شيء حي.
والعلم يوافق على كل ما ذكرنا خطوة خطوة، ولكنه يتردد في ان يتخذ خطوة اخيرة، ويقول ان الانسان، خطر على هذه الأرض بوصفه طفلا لمنبع الحياة الكوني، سيدا بين الحيوانات، وذا تكوين مادي معقد التركيب للغاية، وصاحب عقل أعد عن قصد ليتلقى لمحة من القدرة الالهية التي نسميها بالروح.
وينبغي لنا ان نبدأ بالأرض كلها على انها صحراء، وليس ثمة من مواد غير ما ترك حين بردت الأرض. وقد ارتفعت الأر من المحيطات، وحدث في الصخور تاكل لا يمكن وصفه فمزقها اربا، وكون كثيرا من الصخور الثانوية والغرين والطحل. ولم يوجد سوى المواد غير العضوية في تركيبات كالبازلت والجرانيت وتلك الصخور الأخرى النارية والمتحولة، والغرين الذي سبق رواسب الوجود الحيواني، اما الرواسب من امثل حجر الكلس والمرجان والطباشير والحجر الصوان، فانها لم تكن موجودة. وليس لدينا سوى مواد قليلة لنعالجها، فلدينا الماء، وربما كان على درجة من الحرارة شديدة الثبات.
ان لغز ظهور الحياة على الأرض قد يحل وقد لا يحل بحدوثة الذاتي. وقد افترض البعض ان الحياة قد جاءت من بعض الكواكب في شكل جرثومة انسلت دون ان يصيبها تلف، وبعد ان بقيت زمانا غير محدود في الفضاء، استقرت على الارض، ولكن كان من العسير على تلك الجرثومة ان تبقى حية في درجة حرارة الصفر المطلق في الفضاء، واذا استطاعت البقاء رغم ذلك فان الاشعاع الكثيف للموجة القصيرة كان يقتلها. فان كانت قد بقيت حبة رغم ذلك فلا بد انها وجدت لنفسها المكان الملائم، وربما كان المحيط، حيث ادى اتفاق مدهش في الظروف إلى توالدها وبداية الحياة على الارض.
وفضلا عن ذلك يعود بنا هذا الفرض خطوة أخرى فيما نحن بصدده، لاننا يمكننا ان نسال: (وكيف بدات الحياة على أي كوكب من الكواكب؟)
ان المتفق عليه عموما هو انه لا البيئة وحدها، ولا المادة مهما كانت موائمة للحياة، ولا أي اتفاق في الظروف الكيموية والطبيعية قد تخلقه المصادفة، يمكنها ان تاتي بالحياة إلى الوجود.
وبصرف النظر عن مسالة اصل الحياة التي هي بالطبع من الالغاز العلمية، قد افترض ان هنة ضئيلة من الحياة، بلغت من الضالة انها لا ترى أو تلمح بالميكروسكوب، قد اضافت اليها ذرات، وقبلت توازنها الوثيق، فانقسمت، وكررت الاجزاء المنفصلة هذه الدورة، وبذا اتخذت اشكال الحياة.. ولكن لم يزعم أحد انها اتخذت الحياة نفسها!
ان الأميبا هي مخلوق ميكروسكوبي حي على درجة كبيرة من التطور، وهو مكون من ملايين لا حصر لها من الذرات في تنظيم مرتب. و (الأميبات) هي مخلوقات ذوات خلية واحدة، قد لا يزيد قطرها على جزء من مائة من البوصة، ونوجد في جميع مياه العالم. والاميبا تشعر بالجوع، وتبحث عن غذائها عن قصد وعمد. واية درجة من كبر الحجيم يجب ان يبلغها الحيوان حتى نعترف بان له رغبات وعزيمة؟ ولكن الحجم هو لا شيء في حسبان اللانهائية، لان الذرة لا تقل كمالا عن نظام المجموعة الشمسية. واذا اتخذنا الاميبا مثلا للايضاح – دون ان نزعم ان هذا المخلوق الحي ذا الخلية الواحدة هو المنبع الاصلي للحياة – فانه يمكن القول بان مخلوقا ما نطفيا (بروتوبلازميا) حيا، بعد ان ضاعف تكوينه الداخلي، قد انقسم وصار اثنين، ثم انقسم الاثنان وصارا اربعة، وهكذا إلى غير حد، كما تفعل الخلايا الآن في كل مخلوق حي. فكل خلية تحتوي في نفسها، في تقسيمها الباكر، القدرة على انتاج فرد كامل. والخلايا نفسها باقية إلا إذا وقع لها حادث أو صادفها تغير في الظروف لا قبل لها به. وهي تكون الخلايا البسيطة في جميع المخلوقات، من حيوانات أو نباتات في الوقت الحاضر، وبذا تكون صورا طبق الاصل من اسلافها. ونحن بوصفنا كائنات بشرية، إنما منتظمة من بلايين فوق بلايين من امثال تلك الخلايا، وكل خلية هي مواطن يؤدي نصيبه الكامل من الخدمة الخالصة في ذكاء. وهذا يختلف اختلافا بينا عن الجزئية المادية العاطلة من الحياة(1)
__________
(1) - قال الله تعالى في كتابه الكريم: (سورة المؤمنون).
(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر، فتبارك الله احسن الخالقين).
(المترجم)
وبصرف النظر عن مسالة اصل الحياة التي هي بالطبع من الالغاز العلمية، قد افترض ان هنة ضئيلة من الحياة، بلغت من الضالة انها لا ترى أو تلمح بالميكروسكوب، قد اضافت اليها ذرات، وقبلت توازنها الوثيق، فانقسمت، وكررت الاجزاء المنفصلة هذه الدورة، وبذا اتخذت اشكال الحياة.. ولكن لم يزعم أحد انها اتخذت الحياة نفسها!
ان الأميبا هي مخلوق ميكروسكوبي حي على درجة كبيرة من التطور، وهو مكون من ملايين لا حصر لها من الذرات في تنظيم مرتب. و (الأميبات) هي مخلوقات ذوات خلية واحدة، قد لا يزيد قطرها على جزء من مائة من البوصة، ونوجد في جميع مياه العالم. والاميبا تشعر بالجوع، وتبحث عن غذائها عن قصد وعمد. واية درجة من كبر الحجيم يجب ان يبلغها الحيوان حتى نعترف بان له رغبات وعزيمة؟ ولكن الحجم هو لا شيء في حسبان اللانهائية، لان الذرة لا تقل كمالا عن نظام المجموعة الشمسية. واذا اتخذنا الاميبا مثلا للايضاح – دون ان نزعم ان هذا المخلوق الحي ذا الخلية الواحدة هو المنبع الاصلي للحياة – فانه يمكن القول بان مخلوقا ما نطفيا (بروتوبلازميا) حيا، بعد ان ضاعف تكوينه الداخلي، قد انقسم وصار اثنين، ثم انقسم الاثنان وصارا اربعة، وهكذا إلى غير حد، كما تفعل الخلايا الآن في كل مخلوق حي. فكل خلية تحتوي في نفسها، في تقسيمها الباكر، القدرة على انتاج فرد كامل. والخلايا نفسها باقية إلا إذا وقع لها حادث أو صادفها تغير في الظروف لا قبل لها به. وهي تكون الخلايا البسيطة في جميع المخلوقات، من حيوانات أو نباتات في الوقت الحاضر، وبذا تكون صورا طبق الاصل من اسلافها. ونحن بوصفنا كائنات بشرية، إنما منتظمة من بلايين فوق بلايين من امثال تلك الخلايا، وكل خلية هي مواطن يؤدي نصيبه الكامل من الخدمة الخالصة في ذكاء. وهذا يختلف اختلافا بينا عن الجزئية المادية العاطلة من الحياة(1)
__________
(1) - قال الله تعالى في كتابه الكريم: (سورة المؤمنون).
(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشأناه خلقا آخر، فتبارك الله احسن الخالقين).
(المترجم)